فوق السحاب يذكر الأمير
سألتني إحدى المضيفات – وأنا على ظهر طائرة وجهتها الغرب الأوروبي-
هل أنت جزائري؟
قلت : بلى.
رمقتني بنظرة لم أفهم معناها, ولم أستطع فك شفرتها ,فقد كان سؤالها فجائيا بالنسبة لي
وحين تولت عني أسعفتني ذاكرتي , ماذا تعني بذلك؟ وما هي الا دقائق من عمر الرحلة
حتى عادت إلي وعلى محياها رسمت بسمة زادت من حيرتي نحوها فقلت : نعم أنا جزائري
واعتز بذلك , فما وراء سؤالك؟.
وضعت يديها على كتفي وقالت: هل لك أن تقص علي شيئا عن الأمير عبد القادر ؟
اكتنفتني نشوة وكأن دماء الليث سرت في عروقي وإذا بي أرد لها التحية ببسمة أعمق معنى وأشد خطابا. فقلت لها : إليك لمحة عنه.
إنه الفقيه الداعية, الأديب الشاعر, المجاهد الزعيم, . أما من حيث تاريخ ولادته فقد ولد
في 6/9/1807 , وأما تاريخ وفاته فكان يوم 23/5/1883 .
وبين تاريخ الولادة والوفاة ملاحم ومواقف وبطولات ..اليك إياها بإيجاز
*- هاجر ووالده إلى تونس –مصر- الحجاز- بلاد الشام- بغداد- سنة 1825
*- عاد إلى الجزائر سنة 1828
*- تقلد الإمارة يوم 27/11/1832
*- عقد أول هدنة مع العدو الصليبي [ وهنا تفطنت لوقع الكلمة عليها , لفتني بنظرة ممزوجة بابتسامة بدت لي أنها بريئة شجعتني لأواصل الحديث] وكانت سنة 1834 وسميت باتفاقية / دي ميشيل/ بها اعترفت فرنسا بدولة الأمير . هذه الدولة التي سادها العدل والإنصاف والأمن , مما
جعل أحد المؤرخين الفرنسيين يقول: يستطيع الطفل أن يطوف ملكه وعلى رأسه تاج من ذهب دون أن يصيبه أذى.
*- وفي سنة 1837 كانت معاهدة التافنة بينه وبين الجنرال الفرنسي الحقود – بيجو-
وهنا أيضا نظرت في وجهها لعل شيئا يحدث, والحقيقة لا شيئ حدث .. واصلت كلامي
وقد غمرتني الدموع دون سابق إنذار وحشرجة في الصوت .
أخذت مجلسها بجانبي حيث المكان شاغرا ومررت راحة يدها اليمنى على وجهي وكأنها
تبتغي مسح العبارات ثم قالت أكمل .؟ أكمل لو سمحت؟
في هذه السنة طويت صفحة من تاريخ بلادي وتم استسلام الأمير , ولكن انتبهي فهذا الاستسلام ليس جبنا أو خيانة بل جاء محافظة على الأنفس وحقنا للدماء.
*- بعد الاستسلام اقتيد لسجون فرنسا , وظل يعاني فيها من الإهانة والتضييق حتى حلول سنة
1852 ¸بعد ذلك استدعاه –نابليون- بعد توليه الحكم وأكرمه بل وعرض عليه منصبا هاما
في ديوانه, الا أن الأمير فضل الخروج من فرنسا نحو تركيا بمنطقة –بروسيا- حتى سنة
1856 حيث استقر نهائيا بدمشق /سوريا/
إلى أن وافاه الأجل.
*- قام الأمير بإخماد الفتنة الطائفية التي حدثت في سوريا والتي كانت بين المسلمين المسيحيين
سنة 1860 , قام بدور رجل إطفاء , وقد آوى في بيته أكثر من 15000 مسيحيا , وهذه إحدى المآثر التي لا تزال تذكر لحد اليوم من قبل ملوك ورؤساء الغرب .
*- أعيد جثمانه إلى الجزائر سنة 1965
*- تسمية إحدى المدن الأمريكية باسمه / القادر/ وهي مدينة صغيرة [1400نسمة] والذي سماها بهذا الاسم هو محامي أمريكي يدعى – تيم ديفيز- وذلك سنة 1840
*- يوم 12/4/2006 فتحت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضا خاصا بالأمير
إحياء لذكراه.
معالم الأمير في الجزائر – ساحة الأمير عبد القادر- مسجد الأمير عبد القادر –جامعة الأمير عبد القادر .
من مؤلفاته: المواقف في التصوف *- رسالة: ذكرى العاقل وتنبيه الغافل*- المقرض الحاد
*- السيرة الذاتية.
هنا استوقفتني المضيفة بقولها : رجل عظيم حقا وكنت أجهل الكثير الكثير عنه , أشكرك سيدي على هذه المعلومات التاريخية القيمة وتأكد أني لمقدرة هذه المواقف , لأن هذا تاريخ لا يمكن طمس معالمه ولا تهميش رجاله , ولكن هل أنتم في الجزائر الآن تحيون ذكراه؟
قالت لي ذلك وأردفته بابتسامة كما بدأت أول مرة , لكن هذه المرة شعرت أنها نابعة من فؤاد صدق وتقدير .
نزلت من على الطائرة كباقي الركاب وبعد إجراءات روتينية استقليت سيارة أجرة اتجاه مقر سكن أهلي .
وفي حدود الساعة التاسعة ليلا وبعد مرور ثلاثة أيام من وجودي في هذا البلد وعند محطة
[ المترو ] إذا بسيدة تربت على كتفي ملقية التحية .
تذكرتها وبادلتها التحية , وكانت حسب ما بدا لي على عجلة من أمرها فقالت لي : إذا سمحت رقم هاتفك هذا – وأشارت إليه , حيث كان بيدي- أعطيتها إياه دون أن أفكر .
قبل عودتي لأرض الوطن بحوالي أسبوع على ما أذكر رن هاتفي وإذا بالمتكلمة هي السيدة
المضيفة – سيلينا- أعلمتني برغبتها حضور حفل إحياء ذكرى الأمير في الجزائر متسائلة عن تاريخ ذلك . لم يكن بوسعي من القول لكنني قلت : أعدك , وسأخبرك بذلك .
وسألت نفسي هل حقيقة تقام مثل هذه للأمير في الجزائر ؟.
ابراهيم تايحي