دموع تائبة
عقد قراني – وأنا لم أبلغ عتبة الباب – مع طيف بشري , كان قد سلبني زهرة الحياة , وأراق علي أنهارا وسيولا من الذل والمسكنة حتى أمسيت ظله بما تعني هذه الكلمة .
كان نادرا ما يعود للبيت مبكرا.... كان قليلا ما يثبت قدميه وهو يمشي مترنحا متمايلا.
كان لسانه لا ينطق الا ما تعود عليه مع أصحاب السوء والرذيلة .
لا يحبذ شرب الماء ويفضل ما حرم ..وكثيرا ما يتباهى بفعل ذلك .
كان يعربد ويشمئز ويسخط ويشتم إذا سمع الأذان ينادي للصلاة .
كان....كان....كان...وكنت أتطبع بتلك الطباع يوما بعد يوم ... وجاء الطفل الأول
ثم الثاني ثم الثالث والحال على ما هو , وكبرت معهم معضلاتي وعظمت ذنوبي
واشتد غصن معصيتي وساءت سلوكيات أبنائي الا واحد. وكاد نسيج أسرتي أن ينقطع ويتفكك
ومضى الزمن يدحرجني يمينا وشمالا , ومضت معه ثلاثة عقود من عمري الملطخ
بما يسمى التحضر. ولكن ما كنت أعيشه حقيقة وأحياه الا ضنكا فأنا ميتة بل جيفة نتنة منبوذة مدحورة ...وهكذا بقيت أسبح في تلكم البرك الآسنة والمستنفعات المتعفنة ... إلى أن أدركني
الله برحمته وهدايته ... هرعت إلى الحمام فاغتسلت وضوء وطهارة ثم اتجهت نحو القبلة
... وأنا جاثية رافعة يداي إلى أعلى وبصري شاخص نحو سقف الحجرة وإذا بي أبصر وكأن
البدر عند اكتماله قد سطع نوره . تسمرت عيناي شطره مدة زمنية لا أذكرها , وإذا بالعبارات وديانا يصاحبها شهيق وزفير , ونبضات قلبي تزداد خفقانا ... وعلى لساني كلمات
يا رب اهدني... يا رب اغفر لي .
فجأةأحسست وكأن يدا من حرير تشدني من ناصيتي وهاتفا يقول: قبل الله توبتك يا آمنة.
صوتا لم أسمعه من قبل ولم أألفه قط , ملت يمينا ثم يسارا ثم إلى أعلى فلم أجد أحدا .
تناولت كتابا من كتب أحد أبنائي وكان لمادة التربية الإسلامية وأول ما فتحته
إذا بي أجد نفسي أمام آية من القرآن الكريم يقول فيها الحق سبحانه وتعالى
(لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ) الآية الثالثة والخمسون من سورة الزمر
ابراهيم تايحي