الـــغــــــدر
عندما تموت الحقيقة تنزف دماء الفضيلة , وتجري جداول الكرامة لتسقي حرثا لعل نبتا ينمو ويشتد سوقه , لكن عبثا كان وقوع ذلك الفعل,و هل في زمن الرداءة الا أشجار الخيانة والدس؟ وثمر مذاقها علقما حنضلا , وطعاما للآثمين .
في هذا الخضم من الظلمات فتشت طويلا عن اسمي الذي نسيته قبل أن أسمى به
وهذا لسبب بسيط لكون حروفه لم تستوعبها قواميس هذا العصر , عصر النطيحة والمتردية , وما عافه السبع.لأنها قد ذاب مدادها الذي كتبت به حين سقوط بغداد وقبلها الأندلس .
وذات يوم من أيامي الخالية جاءني نخاس وأنا تحت ظل سحابة قيل لي أنها عقيم
استحسنت ظلها وارتاح إليها بالي ونفسي إليها مطمئنة فسرحت طويلا بين ودقها
الذي حجبت عنه الأنظار لولا طارق النحس النخاس , وقف عند رأسي ووكزني بعصاه , مزمجرا مبحلقا ناهرا مستبدا قائلا: قم واتبعني ؟ أوجست منه خيفة وسرت في مفاصلي رعشة هزت كياني فقلت له : من أنت ياسيدي ؟ نعم أنا سيد ومولاك
فقد ابتعتك من مالكك , ودفعت مقابل – وأشار إلي بطرف عصاه- مبلغا ليس بزهيد قم .. قم ؟ ولا تكثر الكلام .
حاولت بالكاد أن ألملم أفكاري أو قل ما تبقى من عقلي لأفهم ما الذي يدور حولي .
ومرت سنوات وأنا أحلب له شاته, وأرقع له خفه , وأرعى غنمه فما رأيت منه الا لؤما وشؤما وسوء أخلاق , وقد أبيض سوادي كما ازداد بياضه سوادا .
وفي ليلة لم أكن أتوقع حدوثها , اشتدت عواصفها واكفهر وجه سمائها , وقبر قمرها , ناداني سيدي وقد عرفت صوته لأني قد ألفته , تقدمت منه وعيناي مسمرتان في الأرض . نعم سيدي . لم يجبن , فأعدت القول مرة ثانية وثالثة
لا إجابة , ظننت أنه لم يسمعني , فرفعت صوتي قليلا وكررت قولي : نعم سيدي
تربع في جلسته ونظر إلي مليا ثم قام وقد سبقته الدموع احتضنني وضمني , ثم مسك بيد وقبلهما وقال لي : أنت سيدي ومولاي وصاحب نعمتي , غدروا بك كما غدروا بي. إنهم الحفاة العراة يا سيدي . وإن نكفهم ونوقف شرهم لطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد , واعلم يا سيدي أن الغدر بأهل الغدر وفاء والغدر بأهل الوفاء غدر, تذكر دوما هذا القول المأثور
ابراهيم تايحي