تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم 5 مايو 1931 في (نادي الترقي) بالعاصمة جزائر إثر دعوة وجهت إلى كل عالم من علماء الإسلام في الجزائر, من طرف (هيئة مؤسسة) مؤلفة من أشخاص حياديين ينتمون إلى نادي الترقي غير معروفين بالتطرف, لا يثير ذكرهم حساسية أو شكوكا لدى الحكومة, ولا عند الطرقيين. أعلنوا : أن الجمعية دينية تهذيبية تسعى لخدمة الدين والمجتمع, لا تتدخل في السياسة ولا تشتغل بها.
لبّى الدعوة وحضر الاجتماع التأسيسي أكثر من سبعين عالما, من مختلف جهات الجزائر ، ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية : (مالكيين واباضيين, مصلحين وطرقيين, موظفين وغير موظفين), وانتخبوا مجلسا إداريا للجمعية من أكفأ الرجال علما وعملا, يتكون من ثلاثة عشر عضوا برئاسة الشيخ ابن باديس, الذي لم يحضر إلا في اليوم الأخير للاجتماع وباستدعاء خاص مؤكد, فكان انتخابه غيابيا.
لم يكن رئيس الجمعية ولا معظم أعضاء مجلسها الإداري من سكان العاصمة, لذلك عينوا (لجنة للعمل الدائم) ممن يقيمون بالعاصمة, تتألف من خمسة أعضاء برئاسة عمر إسماعيل, تتولى التنسيق بين الأعضاء, وتحفظ الوثائق, وتضبط الميزانية, وتحضر للاجتماعات الدورية للمجلس الإداري.
لم يحضر ابن باديس الاجتماع التأسيسي للجمعية من الأول, وكان وراء ذلك هدف يوضحه الشيخ خير الدين أحد المؤسسين الذي حضر الجلسات العامة والخاصة لتأسيس الجمعية, يقول : "كنت أنا والشيخ مبارك الميلي في مكتب ابن باديس بقسنطينة يوم دعا الشيخ أحد المصلحين (محمد عبابسة الاخضري) وطلب إليه أن يقوم بالدعوة إلى تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في العاصمة وكلفه أن يختار ثلة من (جماعة نادي الترقي) الذين لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة, أو مخاوف أصحاب الزوايا, وتتولى هذه الجماعة توجيه الدعوة إلى العلماء لتأسيس الجمعية (في نادي الترقي بالعاصمة) حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام, وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس. ويقول الشيخ خير الدين : "وأسر إلينا ابن باديس أنه سوف لا يلبي دعوة الاجتماع ولا يحضر يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه ثانية بصفة رسمية, لحضور الاجتماع العام, فيكون بذلك مدعوا لا داعيا, وبذلك يتجنب ما سيكون من ردود فعل السلطة الفرنسية وأصحاب الزوايا, ومن يتحرجون من كل عمل يقوم به ابن باديس".
وهكذا تأسست الجمعية, وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع العام, وانطلق نشاط الجمعية في تنفيذ برنامجها الذي كان قد ضبط محاوره الإمام ابن باديس في الاجتماع الذي عقد عام 1928 مع صفوة من العلماء الذين رجعوا من المشرق ومن تونس, والذي سبق ذكره, واستجاب الشعب لهذا البرنامج, وبدا يؤسس المساجد وينشئ المدارس والنوادي بأمواله الخاصة, ويستقبل العلماء ويُيَسر لهم الاضطلاع بمهمتهم.
وحتى يسهل الإشراف على متابعة العمل الإصلاحي, وتنشيط العمل التربوي, الذي يقدم في المدارس الحرة, التي بدأت تنتشر في أرجاء القطر, كلف الإمام عبد الحميد بن باديس باقتراح من الجمعية الشيخ الطيب العقبي بأن يتولى الإشراف على العمل الذي يجري في العاصمة وما جاورها, وكلف الشيخ البشير الإبراهيمي بأن يتولى العمل الذي يجري بالجهة الغربية من البلاد, انطلاقا من تلمسان, وأبقى بقسنطينة وما جاورها تحت إشرافه شخصيا, وهكذا تقاسم الثلاثة العمل في القطر كله.
وتنفيذا لما تضمنه القانون الأساسي للجمعية تم إحداث فروع لها (شعب) في جهات مختلفة من القطر, ففي السنة الأولى تم تأسيس 22 شعبة, وفي سنة 1936 كان عدد الشعب 33 شعبة, أما في سنة 1938 فقد تطور العدد إلى 58 شعبة, واستمر هذا الجهد التعليمي والإصلاحي رغم العراقيل والاضطهاد الذي كان العلماء والمعلمون عرضة له, ولكن الملاحظة التي يجب تسجيلها هنا هي أن الشعب أقبل على التعليم الحر بكيفية خارقة للعادة, لذلك انتشرت المدارس في جميع مدن الجزائر وقراها.
وبعد مضي ست سنوات من عمر الجمعية, بادر الإمام عبد الحميد بن باديس بوضع إطار حرّ وشامل للجمعية وهو أشبه بميثاق أو دستور وضعه لتسير على هديه الجمعية في نشاطها الإصلاحي والتعليمي, فحدد من خلال هذا الإطار ما اسماه "بدعوة جمعية العلماء وأصولها" ونشره في مجلة الشهاب العدد الرابع, المجلد الثالث عشر في جوان 1937 ثم طبع ووزع على العموم.
[تحرير] الأعضاء المؤسسون
وقد تشكل مجلس الجمعية على النحو التالي :
1- الرئيس : عبد الحميد بن باديس.
2- نائب الرئيس : محمد البشير الإبراهيمي.
3- الكاتب العام : محمد الأمين العمودي.
4- نائب الكاتب العام : الطيب العقبي.
5- أمين المال : مبارك الميلي.
6- نائب أمين المال : إبراهيم بيوض.
أعضاء مستشارين:
7- المولود الحافظي.
8- الطيب المهاجي.
9- مولاي بن شريف.
10- السعيد اليجري.
11- حسن الطرابلسي.
12- عبد القادر القاسمي.
13- محمد الفضيل اليراتني
دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها
بقلمالإمام المصلح عبد الحميد بن باديس (1359هـ ـ 1940م)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله وسلم
دعوة جَمْعِيَةِ العُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ الجَزَائِرِيِّينَ وأصولها
1 ـ الإسلامُ هو دينُ الله الذي وضعَهُ لهداية عباده، وأرسلَ به جَميعَ رُسُلِهِ، وكَمَّلَه على يَدِ نبيِّه محمَّدٍ الذي لا نَبِيَّ مِن بعده.
2 ـ الإسلامُ هو دينُ البشرية الذي لا تَسْعَدُ إلاَّ به، وذلك لأنه:
أوَّلاً: كما يدعو إلى الأُخوَّةِ الإسلاميَّةِ بَيْنَ جميعِ المسلمين ـ يُذَكِّرُ بالأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ بين البَشَرِ أجمعين.
ثانيًا: يُسَوِّي في الكرامة البشرية والحقوقِ الإنسانية بينَ جميعِ الأجناسِ والألوانِ.
ثالثًا: لأنَّه يَفْرِضُ العدلَ فَرْضًا عامًّا بين جميعِ النَّاس بلا أدنى تمييزٍ.
رابعًا: يَدْعُو إلى الإحسان العامِّ.
خامسا: يُحَرِّم الظُّلْمَ بِجميعِ وُجُوهِهِ وبأقلّ قلِيلِه مِنْ أيّ أَحدٍ على أيِّ أَحدٍ من النَّاس.
سادسًا: يُمجِّد العقلَ ويدعو إلى بناءِ الحياةِ كلِّها على التفكير.
سابعًا: يَنشرُ دعوتَه بالحُجَّة والإقناع لا بالخَتْلِ والإِكراهِ.
ثامنًا: يَتركُ لأهلِ كلِّ دينٍ دينَهم يفهمونه ويطبِّقونه كما يشاءون.
تاسعًا: شَرَّكَ الفقراءَ مع الأغنياء في الأموال، وشَرَعَ مِثْلَ القِراض والمُزارعة والمُغارسة مما يظهر به التَّعاون العادل بين العُمَّال وأرْبَابِ الأراضي والأموال.
عاشرًا: يدعو إلى رحمة الضعيف فَيُكْفَى العاجزُ ويُعَلَّمُ الجاهلُ ويُرْشَدُ الضَّالُ ويُعَانُ المضْطَرُّ ويُغَاثُ الملْهُوفُ ويُنْصَرُ المظلومُ ويُؤْخَذُ على يد الظالمِ.
حادي عشر: يُحَرِّمُ الاستعبادَ والجبروتَ بِجميع وجُوهِهِ.
ثاني عشر: يَجْعَلُ الحُكْمَ شورى ليس فيه استبدادٌ ولَوْ لِأَعْدَلِ النَّاسِ.
3 ـ القُرآنُ هو كتابُ الإسلام.
4 ـ السُّنَّةُ ـ القوليَّةُ والفعليَّةُ ـ الصَّحيحةُ تفسيرٌ وبيانٌ للقرآن.
5 ـ سلوكُ السَّلَفِ الصَّالحِ ـ الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ـ تطبيقٌ صحيحٌ لهدي الإسلام.
6 ـ فُهُومُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ الصَّالحِ أصدقُ الفهومِ لحقائقِ الإسلامِ ونصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ.
7 ـ البِدعةُ كلُّ ما أُحْدِثَ على أنَّه عبادةٌ وقُرْبَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ عنِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فِعْلُهُ، وكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
8 ـ المصلحةُ كلُّ ما اقتضتْهُ حاجةُ الناس في أمر دنياهم ونظامِ معيشتهم وضبطِ شؤونِهم وتَقَدُّمِ عمرانهم مِمَّا تُقِرُّهُ أصولُ الشريعةِ.
9 ـ أفضلُ الخلق هو محمدٌ صلَّى الله عليه وسلم لأنَّه:
أوَّلاً: اختارَه اللهُ لتبليغِ أكملِ شريعةٍ إلى النَّاس عامَّة.
ثانيًا: كان على أكملِ أخلاقِ البشريةِ.
ثالثًا: بلَّغَ الرسالةَ ومَثَّلَ كَمَالَهَا بِذَاتِهِ وسِيرَتِهِ.
رابعًا: عاشَ مجاهدًا في كُلِّ لحظةٍ من حياتِه في سبيلِ سعادةِ البشريَّة جمعاء حتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنيا ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ.
10 ـ أفضلُ أمَّتِه بَعْدَهُ هُم السَّلَفُ الصالح لكمالِ اتِّبَاعِهم له.
11 ـ أفضلُ المؤمنين هم الذين آمنوا وكانوا يَتَّقُونَ، وهمُ الأولياءُ والصَّالحونَ، فَحَظُّ كلِّ مؤمنٍ مِنْ وَلايةِ الله على قَدْرِ حَظِّهِ منْ تَقْوَى الله.
12 ـ التَّوحيدُ أساسُ الدِّين، فكلُّ شِركٍ ـ في الاعتقادِ أو في القولِ أو في الفعلِ ـ فهو باطلٌ مَرْدُودٌ على صاحِبِهِ.
13 ـ العملُ الصَّالحُ المبْنِيُّ على التَّوحيد؛ به وَحْده النَّجاةُ والسَّعادةُ عند اللهِ، فلا النَّسَبُ ولا الحَسَبُ ولا الحَظُّ بالذي يُغْنِي عنِ الظَّالِمِ شيْئًا.
14 ـ اعتقادُ تصرُّفِ أحدٍ منَ الخَلْقِ مع الله في شيءٍ ما؛ شِرْكٌ وضَلالٌ، ومنه اعتقادُ الغَوْثِ والدِّيوان.
15 ـ بِناءُ القِبَابِ على القبور، وَوَقْدُ السُّرُجِ عليها والذبحُ عندها لأجلها والاستغاثةُ بأهلها، ضلالٌ منْ أعمالِ الجاهلية ومُضَاهَاةٌ لأعمال المشركين، فمنْ فعله جَهْلاً يُعَلَّمُ ومَنْ أَقَرَّهُ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلى العلمِ فهو ضالٌّ مُضِلٌّ.
16 ـ الأوضاعُ الطُّرقيَّةُ بِدعةٌ لم يَعْرِفْهَا السَّلَفُ ومَبْنَاهَا كُلُّها على الغُلُوِّ في الشَّيخِ والتَّحَيُّزِ لأتباعِ الشيخ وخدمةِ دارِ الشيخ وأولادِ الشيخ، إلى ما هُنَالِكَ منِ استغلالٍ وإذلالٍ وإعانةٍ لأهل الإذلالِ... والاستغلالِ... ومن تَجْمِيدٍ لِلعقولِ وإماتةٍ للهِمَمِ وقتلٍ للشعور وغيرِ ذلك من الشُّرورِ...
17 ـ نَدعو إلى ما دعا إليه الإسلامُ وما بَيَّنَّاهُ منه من الأحكام بالكتابِ والسُّنَّةِ وهديِ السَّلَفِ الصَّالحِ من الأئمّة، مع الرَّحمةِ والإحسانِ دُونَ عَداوةٍ أو عُدوانٍ.
18 ـ الجاهلونَ والمغْرُورُونَ أحقُّ النَّاس بالرَّحمةِ.
19 ـ المُعانِدونَ المستَغِلُّونَ أحقُّ الناس بكلِّ مَشْرُوعٍ من الشدَّةِ والقسْوَةِ.
20 ـ عِنْدَ المصلحةِ العامَّةِ منْ مصالح الأُمَّةِ، يَجِبُ تَنَاسِي كلَّ خلافٍ يُفَرِّقُ الكلمةَ ويصدعُ الوحدةَ ويُوجِدُ للشرِّ الثَّغْرَةَ. ويَتَحَتَّمُ التَّئَازُرُ والتَّكَاتفُ حتى تَنْفَرِجَ الأزمةُ وتزولُ الشّدةُ بإذن الله ثمَّ بقوَّةِ الحقِّ وإدِّراعِ الصَّبر وسلاحِ العلم والعملِ والحكمةِ.
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
عبد الحميد بن باديس
بقسنطينة بالجامع الأخضر
إثر صلاة الجمعة 4 ربيع الأول 1356هـ
منقول من منتديات تبسة الاسلامية